دليل عربى لانتخابات حرة ونزيهة
(قسم من ورقة الخبير د. علي الصاوي)
تنظيم الحملات الانتخابية للمرشحين
الحملات الانتخابية هى الوسيلة الديمقراطية والمشروعة للتعارف بين الناخبين والمرشحين.
وبمفهوم المخالفة، فضلا عن التجريم القانونى، تصبح الرشوة الانتخابية ممارسة غير ديمقراطية وغير مشروعة، ويلزم على أجهزة الدولة قبل غيرها مراعاة ذلك، باعتبارها مؤسسات حماية الشرعية وإنفاذ القانون.
كما أن التأكيد على أن إجراء حملة انتخابية، فى ظل تكافؤ الفرص، يضع ضوابط أخلاقية على التدخل فى حرية المرشحين فى إجراء الحملات الانتخابية بكافة الطرق الديمقراطية، سواء كان التدخل تشريعيا (مثل فرض قوانين مقيدة للحريات كقوانين الطوارئ) أو إداريا من خلال القدرة المؤسساتية لأجهزة الدولة (مثل التمييز بين مرشحى حزب مسيطر وآخرين فى منح تسهيلات ومرونة فى تنفيذ قوانين العمل السياسى) أو حتى كان التدخل تنظيميا يستمد مشروعيته من صلاحيات الجهة المشرفة على الانتخابات، ولو كانت مستقلة بحكم التكوين ومحايدة حزبيا.
أى أن التدخل فى حرية إجراء المرشحين للحملات الانتخابية يكون على سبيل التنظيم والاستثناء، لا يجوز التوسع فيه، وفقا لأصول التشريع الجيد. فعلى سبيل المثال، قد تفرض الجهة المشرفة تعليمات على المرشحين تتعلق بعدم التزاحم فى وضع وسائل الدعاية وإعمال مبدأ الأولوية للوصول لموقع الدعاية ثم يتمكن الحزب المسيطر من إغراق مواقع الدعاية المسموح بها بدعايته لنفسه، ويصبح محتكرا ومحميا بمظلة القانون، وفى هذه الحالة، ورغم أن هذا التدخل التنظيمى من جانب الجهة المشرفة جاء محايدا من حيث الشكل ومستندا على منطق مجرد، تساوى فيه الكافة بحكم النص، إلا أن النتائج العملية لهذا المنطق التنظيمى على الأرض تجعل من المحتم استفادة طرف دون آخرين على مرآى من القانون، بل وبقوته، ولهذا فإن صفة "الديمقراطية" تتضاءل تحت غطاء صفة "المشروعية"، ويحدث الخلل فى اتساق آثار القاعدة القانونية وتكاملها معا.
أما التطبيق السليم للقاعدة، والذى يحقق التوازن بين الصفتين، هو استعمال مبدأ تكافؤ الفرص، وليس أسبقية الوصول، فى تنظيم حق المرشحين فى استخدام أماكن الدعاية المسموح بها لوضع دعايتهم الانتخابية فيها، وبالتالى يجب أن تقوم الجهة المشرفة على الانتخابات بتوزيع/ تخصيص مساحات متكافئة للمرشحين على مستوى الدائرة ككل، بحيث لا تصبح العلاقة بين المرشحين فى هذه العملية ذات حصيلة صفرية، بل تصبح ذات حصيلة إيجابية (Non-zero sum)، وبالتالى تضمن تكافؤ الفرص بين المرشحين، ونحمى توازن وتكامل آثار القاعدة السابقة، بأن إجراء الحملة الانتخابية هو حق للمرشح فى ظل النظام الديمقراطى.
وتشتمل قواعد إدارة الحملة الانتخابية على عدة عناصر، كالتالى.
أ- خضوع استخدام المال للمحاسبة
على كل مرشح إمساك سجل بمصادر تمويل حملته الانتخابية وأن يقدمه الى اللجنة الوطنية للانتخابات خلال شهر من إعلان نتيجة الانتخابات فى الدائرة التى ترشح فيها، ولا يجوز السماح لغير أعضاء اللجنة الطلاع على هذه السجلات إلا بقرار قضائى.
فالمال ضرورى فى الحملة الانتخابية، من أجل توفير السبل للاتصال بالناخبين، ويحتاج المرشح فى ذلك الى مبالغ مالية سواء لدفع رواتب القائمين على إدارة الحملة الانتخابية، وتجهيز المكاتب، وتوفير مساحة فى وسائل الإعلام, وتوزيع مواد التعليم الانتخابى, وأيضا ما يخصص للبحوث والدراسات للدائرة الانتخابية وإنتاج مواد الحملة الانتخابية, وتوفير وسائل النقل والاتصال وأى دعم آخر للحملة الانتخابية..
ونظرا لأن دخول عنصر رأس المال فى العملية الانتخابية بصفة عامة وفى الحملات الانتخابية بصفة خاصة قد يؤثر فى كثير من الأحوال على نزاهتها، فقد وضعت القوانين بعض القيود على تلقى هذه المصادر وكيفية إنفاقها، وحددت بعض هذه القوانين سقف مالى معين لا يجوز للمرشح تجاوزه كمصروفات لحملته الانتخابية، بل إن بعض الدول وضعت من القيود والإجراءات ما ينظم عملية التبرعات التى من الممكن أن يتلقاها المرشح كجزء من مصادر التمويل، كذلك نظمت القوانين طرق الطعن فى هذه المصادر وكيفية مراقبتها على وجه يضمن عدم وجود مخالفات مالية، وهناك بعض الأنظمة أيضا جعلت الدولة نفسها تساهم مع المرشح فى تمويل هذه الحملة.
ولأن كل تحرك يقوم به المرشح فى حملته الانتخابية ستكون له تكلفة، لذا عليه أن يحدد أولا مصادر تمويل هذه الحملة، ومن هنا فإن مصادر تمويل الحملات الانتخابية تعد عصب إدارة الحملة أو شاغلها الأول حيث أنها السبيل لتطوير الحملة الانتخابية والمحدد والموجه لها.
وتتضمن هذه القاعدة أيضا إلتزاما قانونيا يقع على المرشح، بأن يقدم الى اللجنة الوطنية للانتخابات السجل الكامل الذى يتضمن مصادر تمويل حملته، وذلك خلال شهر من إعلان نتيجة الانتخابات فى الدائرة التى ترشح فيها، أى بإعلان قرار اللجنة فى هذا الدائرة، دون انتظار نتائج أى تحقيق قضائى فى الطعن على النتائج، إذا كان جائزا فى القانون الوطنى.
أما الملمح الثالث لهذه القاعدة فيتعلق باحترام الحق فى الخصوصية، وعدم نشر هذه السجلات أو الكشف عنها إلا بقرار قضائى.
ب- ما هو سقف مصاريف المرشح؟
تحدد اللجنة الوطنية للانتخابات سقف المصاريف المحدد للانفاق على الحملة الانتخابية، وطرق التحقق من الإلتزام به والإجراءات الواجب اتخاذها عند الإخلال بهذا الإلتزام.
وبالطبع تتباين الدول فيما بينها فى الحد الأعلى لتمويل الحملة الانتخابية، علما أن بعض الدول تركته مفتوحا دون تحديد حد أقصى له.
والمقترح أن يرتبط سقف الإنفاق بإجمالى متوسط الدخل السنوى لنسبة معينة من الناخبين، وفقا لتقديرات البنك المركزى للدولة، وفى حدود 0.5-1 % من إجمالى الناخبين فى الدائرة.
فعلى سبيل المثال، إذا كان متوسط الدخل السنوى للفرد، وفقا لتقديرات البنك المركزى، هو 1000 دولار، وكان عدد الناخبين المقيدين فى الدائرة 5000 ناخب، فإن سقف الإنفاق يتراوح بين 25 ألف-50 ألف دولار (أى 0.5%- 1% من إجمالى متوسط الدخل السنوى للناخبين فى الدائرة)، أى سيكون السقف الأعلى للإنفاق للمرشح هو 50 ألف دولار.
ويمكن تطبيق نفس القاعدة فى حالة الانتخابات بالقوائم، حيث ستكون العبرة بعدد المقاعد محل الترشح، فإذا كانت القائمة تضم مرشحين لشغل 3 مقاعد كان الحد الأقصى لإنفاق المرشحين الثلاثة مجتمعين (بأنفسهم او بالتضامن مع أحزابهم) لا يتجاوز 150 ألف دولار، أو اعتبار القائمة ككل بمثابة مرشح واحد، أو شيئا بين هذا. بل إن هذه القاعدة تحتمل أيضا "تعددية" أسقف الإنفاق داخل الدولة ككل، أى بين المناطق/الأقاليم/المحافظات، وربما بين دوائر المحافظة الواحدة، وذاك وفقا للظروف الاقتصادية ومستوى المعيشة، وإذا ما توافرت بيانات حول مستويات المعيشة فى كل منها.
وبالطبع، فإن مسألة سقف الإنفاق لا تزال محل مناقشة، واختلاف، سياسى وقانونى ومحاسبى، حيث يجب أن ترتبط فى كل الأحوال بإجراءات التحقق من الإنفاق فى الواقع، فضلا عن علاقتها بالظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة وقت الانتخابات.
ج- مصادر تمويل الحملة الانتخابية
تتمثل مصادر تمويل الحملة الانتخابية فى: أولا، الموارد الذاتية للمرشحين، وثانيا، الهبات والتبرعات من الأفراد والهيئات الخاصة المحلية، وثالثا، مساهمة الدولة، ولا يجوز تلقى أية تبرعات مادية أو عينية من غير المواطنين.
وبالتالى فإن مصادر تمويل الحملة تتمثل فى الموارد الوطنية، مع استبعاد الموارد الآتية من غير المواطنين، سواء كانوا مقيمين فى الداخل أم لا، فى حين يسمح للمواطنين بالمساهمة فى تمويل المرشحين حتى لو كانوا مقيمين بالخارج (والمقصود هو الإقامة التى لا تتناقض مع المركز القانونى للمواطن، فإذا فقد جنسيته مثلا يعد أجنبيا).
وهناك توجس فى العالم العربى من فتح الباب أمام التمويل الأجنبى لحملات الانتخابية فى العالم العربى حيث هناك اعتقاد سائد –وقد يكون صحيحا- أن المساعدات الخارجية فى مجال الانتخابات قد يكون وراءه أجندة خفية للدول التى تقدم التمويل وإلا فلماذا تقدم التمويل لمرشح دون الآخر، كما أن بعض الجهات الأجنبية التى تمول الحملات قد تهدف لإثارة الفتن الطائفية أو محاولة التأثير على نظم الحكم القائمة بدعاوى كثيرة ومختلفة.
كذلك، فالقاعدة السابقة ذاتها تحظر استغلال موارد الهيئات العامة، مثل المرافق الحكومية، المالية والعينية. فحسب مبدأ تكافؤ الفرص، لن يكون مقبولا بأى حال أن تستخدم سيارات الحكومة والمكاتب والاتصالات البعيدة لأغراض حزبية، أو انتخابية، وينطبق ذلك خصوصا على وسائل الإعلام المملوكة للدولة.
وفيما يلى إشارة لهذه المصادر الثلاثة.
(1) التمويل الذاتى
لكل مرشح استخدام موارده الذاتية، المالية والعينية، للإنفاق على حملته الانتخابية
وتعد مصادر التمويل من أهم محددات الحركة للمرشحين فى الدائرة الانتخابية وعند إدارة الحملة الانتخابية، لأن واقعنا العربى لا يعرف ظاهرة الدعم الفعال من الدولة للمرشحين، فضلا عن تواضع موارد الأحزاب السياسية، مما يجعل الموارد الذاتية للمرشح أهم مصادر تمويل حملته.
وتحدد أغلب التشريعات المعاصرة سقفا للإنفاق، وآليات لضمان مراقبة مصادر وأوجه الإنفاق على الحملات، كما سيلى لاحقا.
(2) الهبات والتبرعات
يجوز للمرشحين تلقى هبات وتبرعات، مادية أو عينية من يحملون الجنسية الوطنية، سواء كانوا أفرادا أو هيئات خاصة وفقا للقانون، ولا يجوز للهيئات الحكومية أو المملوكة للدولة أن تقدم أية تبرعات أو هبات للمرشحين.
أغلب المرشحين لا يستطيع الإنفاق على حملته الانتخابية بمفرده لأنها عملية مكلفة، وبالتالى تصبح هذه الهبات والتبرعات ومساهمة الأحزاب فى الحملة الانتخابية لأعضائها، وغيرها من مصادر الدعم ذات أهمية كبيرة لأغلب المرشحين، ولاسيما إذا حدثت ملامح استقطاب بين مرشحين أثرياء ومرشحين فقراء، وكان تدخل الدولة غير فعال لتقريب الفجوة بين المال والبرنامج الانتخابى للمرشحين ومواجهة آفة الرشوة الانتخابية.
(3) مساهمة الدولة
يحدد إجمالى مساهمة الدولة فى تمويل الحملات الانتخابية بناء على طلب اللجنة الوطنية للانتخابات وموافقة مجلس الوزراء وتصديق البرلمان بأغلبية أعضائه، ويدرج رقما واحدا فى الموازنة العامة للدولة، على أن يتم صرف هذه المبالغ وفقا للقواعد التى تقررها اللجنة الوطنية للانتخابات.
ولعل الغاية السياسية من هذه القاعدة التشريعية هى الحد من الآثار السلبية للتفاوت فى درجة ثراء المرشحين بدرجة كبيرة، وكنوع من تمكين كافة المرشحين من الإمكانات المالية لإجراء الحد الأدنى من الحملات الانتخابية. إلا أن نفس هذا الإلتزام الإيجابى على الدولة يخلق بذاته حظرا على اللجوء الى التمويل "الأجنبى" للمرشحين، فلا تكون هناك حاجة قاهرة حتى لدى المرشحين المعدومين الى اللجوء الى الخارج طلبا للمال، طالما توفر الدولة الحد الأدنى من الموارد للمرشحين.
وعموما تعرف الممارسات الدولية ظاهرة مساهمة الدولة فى تمويل الحملات الانتخابية، ومنها صورة المبالغ المالية المباشرة التى تقدم للمرشحين، أو فى صورة تسهيلات إجرائية لازمة للحملة الانتخابية مثل المكاتب والهواتف أو إعفاءات من رسوم بعض الخدمات، لكن فى المقابل هناك دول أخرى تحظر ذلك، سواء لأسباب سياسية أو مالية.
د- مراقبة الإنفاق على الحملة الانتخابية
تخضع كافة عناصر الحملة الانتخابية لمراقبة اللجنة الوطنية للانتخابات، ولا يجوز لغير أعضاء اللجنة الاطلاع على بيانات إنفاق المرشحين إلا بحكم قضائى.
وتعد عملية الرقابة على الإنفاق من أهم ضمانات نزاهة الانتخابات وشرعيتها، وهى من أهم وسائل تقييد ظاهرة الإستخدام المفرط للمال فى العملية الانتخابية. ويلتزم المرشحون بتقديم البيانات والمستندات التى تطلبها اللجنة.
وبرغم صعوبة المراقبة الكاملة والمستمرة لكافة عناصر الإنفاق وتمويل الحملة الانتخابية، إلا أن تطور نظم الاتصالات وقواعد البيانات قد تساعد على الرقابة الفعالة على سقف الإنفاق ومصادره وصوره، مثل إلزام المرشح بإتمام تعاملاته المالية المتعلقة بالحملة من خلال حساب بنكى مخصص لهذا الغرض (مع إعفائه من الرسوم الاعتيادية على التعاملات فى هذا الحساب)، وكذلك التنسيق مع البنوك لإتاحة المعلومات الى اللجنة الوطنية حول تصرفات المرشحين من هذا الحساب، وهناك أيضا ضرورة للتنسيق بين اللجنة الوطنية وأجهزة الدولة الضريبية والمحاسبية والإدارية، خلال مدة الحملة الانتخابية.
هـ- مدة الحملة الانتخابية
لا تقل مدة الحملة الانتخابية عن شهر ولا تزيد عن خمسة وأربعين يوما بما فيها العطلات والإجازات الرسمية. ويجوز للجنة الوطنية للانتخابات أن تقرر بأغلبية ثلثى أعضائها اختصار المدد السابقة فيما لا يزيد عن النصف لمواجهة ظروف طارئة، بشرط تصديق البرلمان على القرار على وجه الاستعجال إذا كان قائما، أو بموافقة رئيس الدولة إذا كان البربمان منحلا.
فكما سبقت الإشارة عند الحديث عن إعلان أسماء المرشحين نهائيا، يجب أن تكون هناك مدة زمنية تفصل بين إعلان أسماء المرشحين ويوم التصويت لا تقل عن شهر، ولا تزيد عن شهر ونصف، فيما يمثل المدة القانونية للحملة.
ولعل من أفضل الممارسات الديمقراطية المستقرة أن نقرر للناخب فترة تفكير مستقل للتفكير فى قراره الانتخابى دون تأثر بالدعاية الانتخابية للمرشحين، وخصوصا فى الانتخابات الرئاسية. وبهذا، فقد تتضمن قواعد الانتخابات وقف نشاط الدعاية وحملات المرشحين قبل يوم أو ثلاثة أيام من موعد التصويت، إلا أن الإكتفاء بوقف الحملات عند انتهاء اليوم السابق على موعد التصويت سيكون معقولا أيضا.
بل إنه من الجائز أيضا اختصار مدة الحملة عن فترة الشهر، السابق الإشارة إليها، وذلك فى أوقات الضرورة أو لمواجهة أحداث وطنية أو خارجية وتؤثر على الظروف الوطنية بشكل كبير يهدد نزاهة العملية الانتخابية، مثل المرور بأزمة اقتصادية، أو لأسباب تتعلق بالظروف المناخية.. وفى هذه الحالة تعرض اللجنة الوطنية قرارها على البرلمان للنظر فى التصديق عليه على وجه السرعة إذا كان قائما، أو على رئيس الدولة إذا كان البرلمان منحلا، بشرط ألا تقل الفترة المتاحة عن نصف المدد المقررة.
- كذلك الحال حيث ما فى و ف دون رسوم، ستخدمها المرشحين فى
- حظر فى لسلطة ن تمول تحظر ئها ما يمنع أيضا ما فممنوع منعا باتا لا يختلف الوضع عودية عنه كثيرا فى الجزائر، حيث ى أى غرض من
|