ورقة الخبير باتريك برادلي
الاقتراع خارجاً: مقاربات مختلفة
1- مقدمة
ما من معيار دولي واحد معتمَد عامة يقضي بمنح حق الاقتراع تلقائياً للمواطنين غير المقيمين في بلد الأصل خلال انتخابات منظمة في هذا البلد. بعض البلدان، مثل المملكة المتحدة والسويد، يمنح هذا الحق- يكون في بعض الأحيان مشروطاً- في حين أن بعضها الآخر يتحفظ عليه. وفي حال مُنح هذا الحق، تطبق عندئذ المعايير نفسها المطبقة عند الاقتراع داخل البلد مثل معيار السن والجنسية باستثناء معيار الاقامة (بحيث إنه شرط مسبق للاقتراع داخل البلد).
تمنح بلدان عديدة حق الاقتراع هذا للمواطنين الذين تتوجب عليهم الاقامة خارج بلدهم بحكم عملهم كموظفين حكوميين. الفئات الأساسية التي يشملها هذا الحق هي فئات الدبلوماسيين والموظفين الحكوميين والعسكريين.
في البلدان التي عرفت مؤخراً نزاعات، غالباً ما تؤخذ تدابير خاصة بالنسبة إلى اللآجئين أقله كمرحلة أولية. هذا ما يحصل خاصة في الحالات التي تنظم فيها الانتخابات على يد المجتمع الدولي وحيث هناك عدد كبير من اللآجئين المقيمين خارج بلدهم كنتيجة مباشرة لمثل هذه النزاعات. وغالباً ما يتجمّع هؤلاء اللآجئون في بلدان مجاورة. كما هو حال البوسنة والهرسك على سبيل المثال.
2- المهاجرون لدواع اقتصادية
2-1 عندما يسمح التسجيل في الخارج، يشترط اتباع بعض الاجراءات مثل:
· التسجيل في السفارات أو القنصليات شرط ابراز جواز السفر الحالي و/أو بطاقة الهوية أو:
· التسجيل عبر تقديم استمارة خاصة لتسجيل غير المقيمين يجب أن ترسل إلى عنوان محدد في بلد الأصل وأحياناً قبل حلول تاريخ محدد.
2-2 يجوز أن تكون فترة التسجيل مفتوحة أو محددة. على سبيل المثال، في المملكة المتحدة حددت المهلة القصوى لذلك بـ 7 سنوات في المرحلة الأولى قبل أن يصار إلى مضاعفتها لتبلغ 20 سنة.
2-3 من الممكن تحديد خيارات مختلفة لفترة التسجيل، مثل:
· سنوياً أو لمدة محددة على أساس تقديم طلب
· سنوياً على أساس تقديم طلب جديد أو تأكيد الطلب الأصلي ولكن شرط الالتزام بمهلة إجمالية قصوى.
· عند كل انتخاب فقط.
3- اللآجئون
3-1 ينزح الكثير من هؤلاء اللآجئين الى البلدان المجاورة والمخيمات كما هو شائع وهم يرغبون بالعودة إلى وطنهم عند أول فرصة آمنة لذلك. من الشائع جداً ضرورة تمكين هؤلاء الأشخاص من الاقتراع في الفترة التي تلي مباشرة النزاعات لا سيما وإن كانت ديارهم السابقة قد دمّرت أو احتلت وبالتالي لم يعودوا قادرين على العودة ما لم يؤمن لهم المسكن. وعلى الرغم من ذلك، قد لا يتمكنون من العودة إلى ديارهم بسبب الخوف أو التوتر القبلي.
3-2 يتم التسجيل في مخيمات اللآجئين المختلفة وغالباً عبر منظمات غير حكومية دولية يجوز لها أيضاً تنظيم/الاشراف على أي عملية اقتراع. وعلى من أرادوا أن يتسجلوا أن يبرزوا دليلاً على حقهم بالاقتراع، على الرغم من أن بعض المستندات في حالات عديدة تكون قد خُلّفت وراءهم لدى فرارهم أو أنها أتلفت خلال النزاعات. في حالات مماثلة، يدقق المسؤولون عن التسجيل في أي مستند رسمي متوفر لديهم بحثاً عن دليل مباشر أو غير مباشر يثبت حقهم بالتسجيل.
3-3 عندما يمنح حق التسجيل للناخبين غير المقيمين تحصر مدة التسجيل عادة بعملية انتخابية واحدة على الرغم من أنه يجوز استعمال القائمة الأصلية شرط تعديلها في حال تلت هذه العملية عملية انتخابية أخرى في غضون مدة زمنية قصيرة. هناك دائماً امكانية عودة اللآجئ في اللحظة الأخيرة إلى بلده الأصلي وبالتالي من الطبيعي اتخاذ التدابير الوقائية للحؤول دون اقتراع الشخص نفسه أكثر من مرة في بلده أو في الخرج.
مع تقدم عملية السلام في البلد، يتوقع أن يعود اللآجئون إلى ديارهم. وبالتالي، يمكن اعتبار تأمين التسجيل لغير المقيمين مجرد اجراء انتقالي.
4- لأي نوع من الانتخابات يمنح حق الاقتراع لغير المقيمين (في حال المنح)؟
4-1 بالنسبة إلى المهاجرين لدواعٍ اقتصادية، لا يرجّح منحهم حق الاقتراع على مستوى الانتخابات الحكومية المحلية، ربما لأن هذه الانتخابات تُعنى أساساً بمسائل محليّة. في المقابل، تبدو الانتخابات النيابية ملائمة تماماً بشكل عام. كذلك الأمر بالنسبة إلى الاستفتاءات الدستورية والانتخابات الرئاسية. ما من مقاربة معتمدة بشكل مطلق.
4-2 تعتمد بشكل عام مقاربة مختلفة بالنسبة إلى اللآجئين، إذ يرجّح ولو في بادئ الأمر النظر في كل عملية انتخاب وفقاً للظروف الراهنة نظراً لطبيعة مشكل اللآجئين المرحلية المرتقبة. على سبيل المثال، في حال كان البلد سيخضع إلى الوصاية الدولية لمدة زمنية محددة، تكون الانتخابات الأولية عندئذ حكومية محلية ويستطيع اللآجئون المشاركة فيها. بعد مرور فترة معينة، قد تعتمد الحكومة سياسة تشجيع عودة اللآجئين، وبالتالي يلغى حق التسجيل للاقتراع في الخارج.
5- العنوان أو الدائرة المناسبة للتسجيل
5-1 بالنسبة إلى المهاجرين لدواعٍ اقتصادية، هناك مقاربات عديدة تختلف باختلاف الطريقة التي وضعت فيها لوائح الناخبين. في حال تم تسجيل الناخبين حسب عناوين و/أو دوائر محددة، تشمل الخيارات عندئذ ما يلي:
- في عنوان داخل البلد حيث تسجّل طالب التسجيل مسبقاً
- في عنوان داخل البلد حيث يقيم طالب التسجيل باستثناء الحالات التي يتغيب فيها عن هذا العنوان
- على لائحة خاصة بالمقترعين غير المقيمين تعود إلى دائرة محددة يرتبط بها طالب التسجيل بطريقة أو بأخرى
- على لائحة خاصة بكافة المقترعين غير المقيمين الذين خصص لهم عدد من المقاعد النيابية.
5-2 بالنسبة إلى اللآجئين بسبب النزاعات، يجوز أن تطبق الخيارات المذكورة أعلاه حسب احتمال عودة اللآجئين إلى الأمكنة التي نزحوا منها. وفي الحالات التي لا رغبة للآجئين فيها بالعودة أو الأمل بالعودة إلى ديارهم السابقة، يجب النظر في ما إذا كان ينبغي تسجيلهم في عناوينهم/دوائرهم السابقة حسب الاقتضاء. قد يؤدي هذا التسجيل إلى تفاقم التوترات لا سيما في حال كانت اقامتهم المحتملة في بلد ما ستكون في منطقة أو دائرة مختلفة.
6- ممارسة حق الاقتراع
6-1 من الضروري إيجاد ضمانات لتأمين الشفافية ولاطلاع المسجلين بشكل واف على المسائل الانتخابية بالاضافة الى قدرة الأحزاب السياسية على الحصول على دعم المقترعين غير المقيمين. تفصّل هذه الأوجه في المقطع 7 أدناه.
6-2 يمارس الاقتراع عامة شخصياً من قبل كل ناخب في أحد أقلام الاقتراع في الخارج أو من قبل موكّله القانوني داخل البلد أو خارجه. ويضطلع هذا الأخير بصلاحية "الاقتراع العائلي" عندما يدون اسم من شاء على ورقة الاقتراع بغض النظر عن الخيار الذي وكّل به. وغالباً ما يحصل ذلك عندما يكون الذكر رأس الأسرة وكيلاً عن أعضائها الاناث. يمكن الحد من ذلك من خلال تحديد عدد الموكلين بـ 2 لكل وكيل واحد على سبيل المثال. الا أنه لدى القيام بهذا الاجراء، يجب الأخذ في الحسبان المدة الزمنية والكلفة الضروريتين لكل وكيل في الخارج لبلوغ مركز الاقتراع المحدد.
6-3 يمكن الاستعاضة بالاقتراع البريدي حيث يحصل الناخب المسجل غير المقيم على ورقة الاقتراع بالبريد. فيدون عليها اسم مرشحه ويرسلها مجدداً في ظرف خاص يختم ويوضع في ظرف أكبر حجماً دوّن عليه مسبقاً العنوان الذي يجب أن يعاد ارساله اليه return address. يمكن أن يكون هذا العنوان عنوان سفارة أو قنصلية أو حتى مكتب الهيئة الانتخابية في بلد الأصل. ولكن هناك دائماً خطر ضياع هذه الأوراق الانتخابية في البريد أو حتى خطر اعتراضها.
6-4 عند الاستلام، يفتح المغلف الكبير ويوضع المغلف الداخلي المختوم من دون أن يفتح في صندوق اقتراع مقفل. ومن ثم يصار إلى فض هذه المغلفات المقفلة معاً عندما يتم فتح صندوق الاقتراع لفرز الأصوات، مما يضمن سريّة الاقتراع.
6-5 لن يساعد استعمال آلات الاقتراع الالكترونية كثيراً عملية الاقتراع بشكل عام بما أنه سينبغي دائماً على الناخبين غير المقيمين الذهاب شخصياً الى أقلام الاقتراع المحددة. ويحبذ استعمال البريد الالكتروني عندما يتوافر شرطان أساسيان، أولهما الحفاظ على سرية الاقتراع وثانيهما ضمان عدم التلاعب بالنظام ووضع نظام تدقيق ملائم يسمح باعادة فرز الأصوات عند الاقتضاء.
6-6 قد يقرر بعض الناخبين غير المقيمين العودة إلى ديارهم وقت الانتخاب وبالتالي قد يرغب بالاقتراع في بلده. فإذا اعتبر ذلك جائزاً، يجب أن توضع أحكام خاصة بذلك، أياً كان النظام، تحول دون امكانية الاقتراع المزدوج.
6-7 يحبّذ ابلاغ حكومات البلدان المختلفة مسبقاً حيث يقترح إنشاء أقلام اقتراع لغير المقيمين. فهناك بلد أوروبي على الأقل يمنع اقامة انتخابات على أرضه غير تلك التي تخضع لقانونه الانتخابي. على صعيد آخر، ينبغي الاتفاق مسبقاً على تدابير أمنية ملائمة بغية معالجة المظاهرات العامة أو أعمال الشغب المحتملة في أماكن الاقتراع أو بالقرب منها.
7- مسائل عمليّة
في حال تقرّر مبدئياً منح حق الاقتراع لغير المقيمين، ينبغي عندئذ تحديد عدد من النقاط: من بينها:
7-1 تحديد ما إذا كان التسجيل المسبق ضرورياً. في حال كان لبلد ما جالية كبيرة ومشتتة ولم يسبق له أن منح حق الاقتراع لغير المقيمين، ما من أساس يمكن الاستناد اليه للتخطيط لتأمين العدد الضروري من أوراق وأماكن الاقتراع. وبالتالي، قد يؤدي التسجيل/الاقتراع في "اليوم ذاته" الى مشاكل ضخمة متعلقة بحسن سير العمليات والى ملاحظات تعسّفية وانتقادات لاذعة. لذا يحبّذ اتمام التسجيل مسبقاً أقله في مرحلة أولية. غير أنه يمكن الاستعاضة عن ذلك في حال كان على الأفراد اجتياز مسافات كبيرة أولاً للتسجيل ومن ثم للاقتراع.
7-2 في حال تم اختيار التسجيل المباشر عبر طلبات فردية، ينبغي النظر عندئذ في ما اذا يجب أن يكون العنوان البريدي return address سفارة/قنصلية أو مكتب يعين في بلد الأصل حيث تتم معالجة كافة هذه الطلبات. في أي حال، من السهل نسبياً وضع مجمل لوائح الناخبين غير المقيمين مسبقاً قبل كل انتخاب بالاضافة الى نسخ توضع تحت تصرف الأحزاب السياسية لتمكينها من ارسال أدوات الحملة الانتخابية في الوقت المناسب. وتبدو هذه الطريقة أكثر عملية لا سيما عندما يكون الناخبون مشتتين في البلد المضيف.
7-3 التدابير الأمنية الواجب اتخاذها لتجنب الانتهاكات. يكون التسجيل المسبق أكثر تسهيلاً للتدابير الأمنية من التسجيل/الاقتراع "في اليوم ذاته". يمكن التطرق إلى هذا الموضوع ما إن يتم اختيار نظام التسجيل وتوقيته. من المهم جداً نشر لائحة الناخبين غير المقيمين قبل أي انتخاب كي يتمكن كل حزب سياسي من تقديم بيانه الانتخابي للناخبين المسجلين. فضلاً عن ذلك، يؤمن هذا النشر المسبق الشفافية على عكس التسجيل/الاقتراع في اليوم نفسه حيث قد تكون مستويات الاقتراع غير متوقعة كلياً وبالتالي قد ينشأ عنها مخالفات. ويسهّل التسجيل المسبق أيضاً عملية التخطيط.
8- ملاحظات ختامية
بطبيعته هذا عرض موجز. وبالتالي، في حال منح غير المقيمين حق الاقتراع في الخارج، ينبغي القيام بتحليل أكثر تعمّقاً وتركيزاً حول النهج الأكثر ملاءمة.
|